الرأي

لا شيء يعدل الوطن

عبدالستار سيف الشميري

هناك أشياءُ لا تُنسى وذكريات لا تمحى، هناك وطن تناثر بين أيدينا، أسهمنا جميعاً في تشظيه، هناك تجارب لم نستفد منها.
العابثون كانوا أفرادا واسهمنا في جعلهم حشودا وجمهورا، وها نحن اليوم نحصد عبث الأمس ونبكي على اللبن المسكوب، ونستحضر الماضي ونعيد الكره تلو الكرة،
منا العالقون في أوطان مختلفة ومنا المسجونون في الوطن يكابدون كل ألوان العبث ومنا دون ذلك قضوا نحبهم أو في معتقلات ومستشفيات مختلفة على اقل تقدير.
هناك مليون ما بين شهيد وقتيل وجريح ومعاق ومسجون، وهناك خمسة ملايين مشرد وهناك شعب كامل يحتضر خوفا وفقرا ومرضا، يعيش في مناحة جماعية، يبدو الوضع وكأننا في فرجة اجبارية.. في مسرح معارك ليس له أفق زمني معلوم، شعب بأكمله على هذا النحو وهذا المصير.
يخيل إليك احيانا ان الرئيس ونائبه فقط هما من ينامان دون هموم وتفكير في الحرب والكوارث التي تأتي جملة، توقف التاريخ اليمني ثم استدار إلى الخلف أربعة آلاف عام، رغم أن قطار الزمن في سرعته، يمضي دون ان يلتفت إلى كل ماصرنا إليه، ذلك انه لا يمكن للزّمن أن يقف عند حدٍ معيّن، لكنه بالتأكيد يضع بصمته بطريقة أو بأخرى.
فلا تكاد تطوي سَنة دون أن يعلقَ منها في شِباك الذاكرة شيء من دم أو هم أو عزيز شردته الحرب أو قتل ظلما أو ذهب ضحية يوم نزال.
هي الحرب تزرع اوزارها، افقدتنا الكثير وأهم ما اخذته منا شيء من أخلاقنا وتوازننا ودماثتنا وكثير من أحبابنا وأظهرت أسوأ ما فينا، وصيرت البلادَ برمتها في اودية الأحقاد، فقدنا حتى المزاج السليم والبسمة والبهجة والشعور بالاندهاش حتى تلك الذكريات القديمة المدهشة نسياناها في زحمة العراك والسجال.
لم نعد نتذكر أوّل حب واول وردة قطفناها وأول لعبة بالتراب والرّمل، ثمّ أوّل قبلة، وقصيدة، أوّل طفلٍ تمام فينا وجابَ بشجاعة كل بحار المُخيّلة حتى غرق.
نحن اليوم نسترجع ونحصي كل ما فقدناه فتعجز الافلام والأقلام وتجف الصحف خسارتنا كبيرة وفادحة.
لا شيء يعدل الوطن…
لا شيء يعدل الوطن…
هل بإمكاننا بعد كل الخسارات والخيارات الخاطئة ان ننتصر؟!
يبدو ذلك ليس سهلا، هل بإمكاننا الانتصار للكلمة والموقف أو لأي شيء ذا قيمة، وترميم الوطن من جديد؟، ربما ذلك يبدو ليس سهلا أيضا.
لكن يمكننا ان نقول انه ممكن من باب التفاؤل والتشبث بالأمل، وقديما قيل:
أعلل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى