الرأي

الربادي ضمير الكادحين: أربع حبات وسجّلهن ديْن

كان هُنَا قبل هذا التّأريخ بسبعة وعشرين سنةٍ، فيما كانت إب تقف وراءه باطمئنان ويقينٍ مدينة تدرك أنه الكاهل القادر على حمل همومها، بأمانة نبي وإخلاص رسول، فكان كما عهدته إب؛ ضميرها اليقظ وصوتها الفولاذي المعجون بكدح الجماهير وأنينهم وأحلامهم في بلدٍ تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية.

لم تكن إب لتكترث لتحذيرات المتخمين بالخوف من خياراتها الواضحة، لتكون إبّْ معراج رفض لكل رغبات الضلال والجهل، وسوط إرادةٍ ألهب جلد الباحثين عن مجدهم في منح اليمنيين عذابات ومآسيَ بالغة الفتك بمستقبل وطموحات اليمنيين وأحلامهم المشروعة.

من بين أوساط البسطاء بزغ – سريعاً – نجم فتىً، سرعان ما تحول إلى أسطورةٍ، تمكن بانحيازه للناس، من التوغل في تفاصيل المدينة وروحها المشرعة على أمل الخلاص ومغادرة قبضة الشرور والأوساخ.

في المدينة القديمة، وعلى منبر جامعها الكبير، أسرج الراحل العظيم الأستاذ محمد علي الربادي خيل حلمه، متشحاً توق المدينة خاصة والشعب عامة، للخلاص، ليدير ملحمته بنزاهة مجددٍ، عاش الخلود في هتافات الفقراء والموجوعين والحالمين.

لم يعش الربادي حياته بمعزل عن حياة العامة، ولذا كان مخلصاً في تبنيه لآمال الناس وأحلامهم، وأميناً في التعبير عنها وبإيمان مصلح، كان يدرك أن محبة الناس أقوى من كل محاولات القمع الدينية منها أو السياسية، واللتان رامتا في أكثر من محطةٍ وأد هذا الصوت الناصح الفاضح وتغييبه، خشية أن يهدم تحصينات وأسوار العباءات الدينية والسياسية ويعمل على تعريتهما، كعاهتين وجدتا – فقط – لاستنزاف كل خيارات النجاة والإفلات من براثن العبودية والقهر.

محمد علي الربادي
محمد علي الربادي

أتقن الأستاذ الربادي وظيفته في كشف الزيف وإسقاط القداسة عن تلكم العباءات، ليقود مرحلة كان من الصعب على الجميع الاضطلاع بواجباتهم ومسؤوليتهم في ذلك، إن لم يكن الفقيد الربادي حاضراً ومهندساً لتلك المرحلة واليقظة الوطنية التي صبغت معظم نشاطاته وتحركاته وتوجيهاته من على منبر الجامع الكبير بالمدينة القديمة أيام كان خطيباً يتسابق الجميع على الإستماع له، وذلك ما خلق جيلاً لا يقل عظمة عن الأستاذ الرّبادي رحمة الله تغشاه.

وهو الجيل الذي أعاد الاعتبار لمناضل كبير لم يكن ليجد حرجاً وعقب صلاة الجمعة من أن ينادي على بائع القات قائلاً له: “أربع حبات وسجلهن دين”.

زر الذهاب إلى الأعلى