الرأي

اتفاق الرياض واستراتيجية تمكين اليمنيين

عبدالحميد توفيق

 

التحوّل الإيجابي الذي أحدثته الخطة المتكاملة لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض و المباشرة الفورية بتطبيق مقتضياتها يؤكد أمرين اثنين؛ الأول قدرة الدول الراعية، المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة على التأثير الفعال في ساحة العمل اليمني بعد أن برهنتا في جميع المواقف على الاستعداد للتضحية و تقديم الدعم بكل أنواعه للمحافظة على اليمن عربياً، وحمايته من مشاريع العدوان الخارجي وأدواته في الداخل التي تستهدف وحدته و سيادته و استقلاله، و الأمر الثاني أن التطبيق العملي للآلية الجديدة يستتبع استثماراً بعيد المدى ينسحب على مجمل مفاصل و تفاصيل المشهد اليمني، أي الدفع باتجاه تفعيل أدوار القوى المجتمعية اليمنية في مواجهة الحوثي و مشروعه الإرهابي و نزعات داعميه في الداخل و الخارج على حد سواء.   الاهتمام الذي تبديه الرياض و أبوظبي بالشأن اليمني وتطوراته وتجلياته العربية والإقليمية يعكس رؤية استراتيجية لدى العاصمتين العربيتين تتلخص في نواحي كثيرة منها أن اليمن لابد و أن يبقى ضمن نطاقه العربي الحيوي، ومنها إدراك أن الأطماع الخارجية في اليمن لا تتأتى من مصالح ضيقة و محدودة لتلك القوى؛ أي لا تقف عند تحقيق الطامعين لأجنداتهم بالسيطرة على اليمن وحسب، بل إن الطامعين والغزاة أرادوا جعل بلاد اليمن قاعدة انطلاق للتوسع الاستعماري في عموم الجزيرة العربية، لما تكتنزه من إرث حضاري و إنساني وروحي علاوة على الثروات الطبيعية الهائلة التي تتمتع بها تلك الديار وموقعها الاستراتيجي، ولا يغيب عن الأذهان أن الطامعين والغزاة تراجعوا غير مرة وهُزموا مرات كثيرة أمام إرادة اليمنيين الرافضين للخضوع وللاستعباد من قبل الأجنبي، ودروس التاريخ غير البعيد ماثلة في الأذهان ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما حل بالعثمانيين حين كسرتهم إرادة أبناء اليمن العربي و حولت الأرض إلى مقبرة لهم. أمام سجل التاريخ هذا ما كان للغزاة و الطامعين إلا البحث عن أدوات محلية واستقطابها و تحويلها إلى رأس حربة في تنفيذ مشاريعهم و تحقيق أطماعهم، و هذا ما حدث على أرض الواقع حين وجدت إيران ضالتها في ميليشيات الحوثي لإحداث خرق في المجتمع اليمني بمكوناته السياسية والحزبية والقبلية، وتماهت معهم إلى حدود التبني الكامل و المطلق عسكرياً و سياسياً و عدوانياً، و أمعنت في تغذية تلك النزعة الانفصالية بما يحقق لها أهدافها على المستوى الداخلي في اليمن، حيث حولت البلاد إلى تيارات و مجموعات متصارعة ودبّت الفوضى في معظم أركانها، وهو واحد من أهداف النزعة العدوانية التوسعية الإيرانية القائمة أساساً على تفجير المجتمع الداخلي وإشاعة الفوضى في أركانه لتسهيل السيطرة تدريجياً على مفاصله الحزبية و السياسية و الاجتماعية، والانتقال بعد ذلك إلى تفتيت تلك الوحدات وتنفيذ أجندتها بعد أن تسلب من كل تيار إرادته وهويته الوطنية لمصلحة مشروعها التوسعي.

وهنا لا يمكن التغاضي عن الدور التخريبي الذي لعبته وتلعبه تيارات الإسلام السياسي و تحديدا جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية في مجمل المشهد اليمني؛ و كغيرها من مثيلاتها في أي مكان آخر فإنها تقدم ولاءها الإيديولوجي والنفعي على انتماءاتها الوطنية، ونهجها هذا ليس غريبا لأنه ليس جديداً أو مفاجئاً؛ فقد ظل ديدنهم في جميع مواقفهم وعلى مر الأزمان وفي كل بقاع الأرض التي وجدوا فيها، و لربما يطول الحديث في هذا المقام عن خياناتهم العميقة لليمن ولأهل اليمن و لكن ما هو ماثل في الأذهان تقلباتهم و أدوارهم التي نفذوها خدمة للمشروع الذي سعت إلى تحقيقه ميليشيات الحوثي بدعم وإسناد طهران، حتى أن جماعة الإخوان اليمنية أدت أدواراً ميدانية مضللة لصالح إيران وميليشيات الحوثي حين انسحبت من مواقعها في بعض المدن اليمنية لتسهيل سيطرة ميليشيات الحوثي عليها، وحين ادعت الحياد لتمرير مشروع الحوثي وغيره، لكنها اليوم تجد نفسها في مأزق كبير بعد أن تعرت تماماً أمام الرأي العام اليمني وأمام جميع المعنيين بالشأن اليمني حيث برز الجهد العربي ممثلاً بالرياض وأبوظبي المصممتان على المحافظة على عروبة اليمن و انتشاله من أنياب الطامعين بخيراته وثرواته من العملاء المحليين ومن أولئك الذين يتحركون بوحي نزعتهم العدوانية التوسعية من الخارج، و لعل الارتياح الذي انعكس في مواقف اليمنيين مع الإعلان عن آلية جديدة لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض، هو الرسالة الأبلغ للرد على نزعات الانقلابيين و داعميهم وعلى الذين يتلطون خلف أصابعهم خوفاً من مواجهة الواقع الذي تفرضه إرادة الإخوّة لانتشال اليمن من براثن أعدائه و تصحيح مساره و الوصول به إلى بر الأمان و الاستقرار و استعادة سيادته ووحدته المجتمعية وطي صفحة الانقسام و التناحر الداخلي بين مكوناته، وكل ذلك لم يكن إدراكه سهلاً أو متاحاً لو لم تتوفر الإرادة الوطنية المخلصة لدى القوى اليمنية و خاصة المجلس الانتقالي الجنوبي الذي لم يتردد في اتخاذ قراره الوطني بطابعه الاستراتيجي المتمثل بحل نفسه مع ما يعنيه ذلك من إيمانه بمصلحة بلاده العليا.  لا يمكن إنكار وعورة الخوض في متاهات الساحة اليمنية وصعوبتها في جميع الاتجاهات، لكن ذلك لا يعني نهاية المطاف أو التسليم بالمشاريع الانقلابية و السماح بمرورها، وهو ما شكل حجر الرحى في استراتيجية عمل التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية والتي كان لها التأثير الأكبر في الحد من مخاطر تقسيم اليمن وما يحمله ذلك من تبعات على مجمل المشهد في الجزيرة العربية و في المنطقة العربية عموماً، بعد أن تكشفت أطماع إيران و تركيا في أكثر من بقعة جغرافية عربية و بعد أن أحدث كل منهما خرقاً في الجسد العربي هنا أوهناك، من خلال استخدام ميليشيات ومرتزقة لتحقيق أهدافهم التي تبدأ بإشاعة الفوضى مروراً بإشعال فتيل النزاعات وصولاً إلى تفتيت الدول المستهدفة بمخططاتهم العدوانية التوسعية.  أهمية قيادة الرياض وأبوظبي كدولتين راعيتين لمسار الحل السياسي في اليمن، تتضح اليوم من خلال قدرتهما على تمكين الأطراف اليمنية الوطنية من أجل إثبات الذات والوجود على ساحة الفعل اليمني سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً واحترام إرادة اليمنيين في خياراتهم و دعمها .

المصدر: العين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى