الرأي

الحضارة إلى أين !!!!؟؟

بقلم: أميره العزي صالح المسوري

لكل بلد في العالم تاريخ وله شيء من الحضارة فحينما تذكر الحضارة قد يتبادر إلى ذهن المستمع أو القارئ حضارات مثل الحضارة الفرعونية أو الرومانية أو البابلية أو الحضارة الصينية القديمة وغيرها من الحضارات، لكن لن تجد من يذكر الحضارة اليمنية إلا من درسها أو بعض أبناء البلد
دعونا نتفق على شيء أن الحضارة اليمنية مثلت قاعدة المثلث الحضاري وهي الحضارة البابلية والفرعونية والحضارة اليمنية، لكن ما الذي يجعل حضارة كالحضارة اليمنية منسية للعالم؟ حيث لو أن أحدنا بحث في محركات البحث لنأخذ على سبيل المثال محرك البحث Googleفلو بحث أحدنا عن أقدم الحضارات في العالم فإن الترتيب الذي سيقرأه هو كالتالي:
الحضارة السومرية في جنوب بلاد الرافدين و الحضارة المصرية و الحضارة الإغريقية و الحضارة الصينية القديمة.
وإن حصرنا البحث بحيث يكون البحث عن أقدم الحضارات في الوطن العربي فإنها ستكون كالتالي :
الحضارة المصرية القديمة – حضارة بلاد الرافدين – حضارة بلاد الشام – حضارة شبه الجزيرة العربية – حضارة بلاد اليمن وحضارة دلمون (حضارة دلمون هي حضارة قامت في البحرين وشرق شبه الجزيرة العربية وسُميت دلمون بهذا الاسم لأنها محاطة بماء البحر من كل ناحية)
المعلومات عند البحث تكون شحيحة مقارنة بحضارة كالحضارة اليمنية التي كانت من قبل الإسكندر فما أسباب ذلك؟

1_ رغم أن اليمن تمتلك نخبة كبيرة من الكادر الثقافي سواءً كانوا شعراء أو ممثلين أو منشدين أو دون ذلك إلا أن اليمن غائبة غياب شبه كامل عن المحافل الثقافية رغم أن اليمن لديها مخزون ثقافي يوازي مخزونها الحضاري فإن غابت الثقافة عن تمثيل الحضارة يكون إحدى أسباب جهل الناس في العالم عن الحضارة اليمنية
حتى وإن كان هناك تمثيل فإنه غير كافي البتة لتمثيل حضارة كالحضارة اليمنية
2_ الإعلام إحدى الأسباب التي جعلت الحضارة اليمنية غير معروفة ومن المفترض أن يكون للإعلام دور مهم وأساسي ليتعرف الناس عن الحضارة من خلاله لكن الأمر حدث بالعكس حيث أنك إن فتحت الإعلام العالمي ستجده يتحدث عن ويلات الحروب في اليمن وكذلك الإعلام العربي فالإعلام اليمني لم يعطِ الحضارة اليمنية حقها فأين نحن من إظهار ارثنا الحضاري والثقافي للعالم أجمع؟

3_ هناك أسباب أخرى ومن أهمها ما تمر به البلاد في وقتنا الحالي لكن ذلك غير كافي ليجعل حضارة عريقة إلى حضارة شبه منسية على مستوى العالم فالأسباب من قبل ذلك بكثير
لنعد بالزمن إلى الوراء في نهاية الدولة العثمانية وقيام الحرب العالمية الأولى عام 191‪8_1914   حيث كانت بعض بلدان العالم العربي قُبيل الحرب تحت الاستعمار الفرنسي،وبعض البلدان العربية في أجزاء شبه الجزيرة العربية، وفي العراق، وفي الشام تحت النفوذ العثماني
كانت الدول المشاركة في الحرب العالمية الأولى هي ألمانيا – النمسا – المجر- بلغاريا والدولة العثمانية وكانت تُسمى دول الوسط ضد فرنسا – بريطانيا وروسيا وكانت تُسمى بدول الوفاق الثلاثي
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بعد أربعة أعوام تقريباً بفوز دول الوفاق الثلاثي أدت إلى خسائر جسيمة سواءً كانت خسائر بشرية حيث بلغت الخسائر البشرية تسعة ملايين قتيل وعدداً أكبر من الجرحى والمشوهين، وخسائر مادية كما تحدث بعد أي حرب
ووقع كثير من بلدان العالم العربي تحت الاحتلال الذي يُسمى بالانتداب وذلك وفقاً لاتفاقية (سايكس بيكو) السرية عام 191‪6 م حيث لم ينته الأمر هنا بل أصدرا بريطانيا وعدها المشؤوم (وعد بلفور) الذي صدر في نوفمبر م1917
وفي عام م1918 انتشر في العالم مرض يُسمى بالحمى الإسبانية ليصبح هذا المرض أسوأ كارثة بشرية في تاريخ العالم حيث أصاب أكثر من 500‪ مليون شخص وتوفي بسببه نحو 100‪ مليون شخص
كل هذه الأمور كيف أثرت على اليمن بشكل خاص؟
قبل أن نتطرق للإجابة دعونا نتفق على شيء أنه حتى عام م1916 لم يكن هناك حدود بين الدول العربية بشكل عام ولم يكن هناك شمالي وجنوبي في اليمن بشكل خاص وإنما تم وضع تلك الحدود والمسميات وفقاً لإتفاق (سايكس بيكو) كما ذكرنا آنفا وذلك يوضح لنا شيء مهم جداً بأن الوحدة العربية بشكل عام واليمنية بشكل خاص تم ويتم تمزيقها وفقاً لذلك الإتفاق المشؤوم.
كل الأحداث التي جرت منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى إلى انتهائها بسنوات كان لها تأثير على اليمن حيث قسمت اليمن إلى قسمين شمال وجنوب حيث كانت الإمامة في الشمال والاستعمار البريطاني في الجنوب من الأجدر أن نسميه احتلال لأن الإستعمار من الإعمار أما الإحتلال فهو الذي يستنزف ثروات البلاد لصالحه ويخرج صاحب الأرض بخفِّ حُنين وهذا ما حدث بالفعل لكنه تم استخدام مصطلحات كالاستعمار والانتداب ليغطوا على جرائمهم بحق الإنسان اليمني في هذه الفترة كان اليمن في صراعات سواءً في الجنوب أو في الشمال وعانا الشعب في كلا الاتجاهين من الظلم والجبروت والفساد والتمييز الطبقي وطبيعة الإنسان تقضي على أنه إذا تعرض الإنسان للاضطهاد لا يمكن أن يُنمي وطنه أو يُعلي رايته أو أن يقدم شيء للعالم عن وطنه وحضارته لأنه سيكون مشغول بإيجاد أبسط مقومات الحياة الكريمة وشخص لا يملك الحياة لا يمكنه تقديم فيها
ب_ الحرب العالمية الثانية هذا ما يفعله القضاء على المفكر والإبقاء على الفكرة ففكرة الحرب والانتقام من الخسارة في الحرب العالمية الأولى كانت إحدى الأسباب الغير مباشرة التي أدت لاندلاع الحرب العالمية الثانية كعادة كل الحروب تكون القوى الكبرى هي المشاركة فيها والقوى مادون ذلك تدفع الثمن الحرب العالمية الثانية عام م 194‪5_1939 كانت القوى المشاركة هي دول المحور والتي كانت تضم كلاً من رومانيا – المجر- اليابان – إيطاليا – ألمانيا – بلغاريا ويوغسلافيا ودول الحلفاء وكانت تضم كلاً من بريطانيا- فرنسا – الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي استمرت سبعة أعوام تقريباً والتي لم تنتهِ إلا بعد إلقاء قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين واستسلام دول المحور، وأدت الحرب العالمية الثانية إلى مقتل ما يزيد على سبعين مليونا وفقدهم وخسائر لا تقل عن الحرب العالمية الأولى
لنسلط الضوء على وضع اليمن في الجزيئين الشمالي والجنوبي أما في الشمال أسس الأمام يحيى بن حميد الدين حكماً ثيوقراطياً حيث إنه تبنى سياسية انعزالية خوفاً من أن تسقط بلاده لسلطة القوى الاستعمارية المتحاربة وكذلك لإبعاد المملكة عن التيارات القومية التي ظهرت في المنطقة العربية آنذاك.
في عام 1948م قامت ثورة حيث قُتل الإمام يحيى بن حميد الدين على يد الإمام عبد الله الوزير بمساعدة بعض أفراد الأسرة المالكة وحزب الأحرار اليمنيين والتي سُميت آنذاك بثورة الدستور ثم أُعْدِمَ عبد الله الوزير ورفاقه وتم إخماد الثورة على يد الإمام أحمد حميد الدين وفي عام 195‪5م قامت ثورة أخرى بقيادة أحمد بن يحيى الثلايا ثم قُتل هو الآخر فكان الجزء الشمالي من اليمن عبارة عن دويلات صغيرة لديها أراضيها وحلفائها ومشايخها.
أما في الجزء الجنوبي من اليمن بدأت حركات معادية للاستعمار بالظهور عام 194‪3م حيث أنه كان يمارس التمييز العنصري الطبقي آنذاك وكان الجزء الجنوبي من اليمن أو ما سُمي بمحمية عدن آنذاك مقسمة إلى قسمين شرقي وغربي حيث إن الإنجليز أسموها اتحاد إمارات جنوب الجزيرة العربية وليس الجنوب العربي كما يعتقد البعض لإبعاد عدن عن موجة القومية العربية.
لذلك نستنتج شيء مهم جداً أن فكرة جنوب الجزيرة العربية أو ما يطلق عليه البعض الجنوب العربي هي فكرة إنجليزية أولاً وأخيراً لعزل عدن وخلق كيان معتمد على بريطانيا
في 25 سبتمبر 196‪2م قاد عبد الله السلال وعلي عبد المغني الثورة ضد الإمام محمد البدر حميد الدين وتم إعلان الجمهورية العربية اليمنية في 26 سبتمبر من العام نفسه وهو ما جعل الرأي العام في الجنوب اليمني يزداد إصراره على طرد الاستعمار حيث انشقت جبهات قومية بقيادة قحطان الشعبي وكان معظم التأييد للجبهة قادماً من ردفان ويافع وذلك ما جعل الإنجليز يقومون بحرق ردفان بالكامل في يناير عام1964م
منذ قيام الثورة وما بعد الثورة وإعلان الوحدة وما بعد الوحدة كانت اليمن تحاول الوقوف على قدميها حيث كانت الصراعات مستمرة والصراع إن استمر فالوطن لا ينهض.
أما السبب في كل الصراعات التي كانت والتي تكون في وقتنا الحالي هو أننا لم نقم باستئصال بعض الأفكار والمصطلحات،فحينما قامت ثورة 26 سبتمبر و 14 أكتوبر حينها تم القضاء على أصحاب الفكرة سواءً كانت الإمامة أو الاستعمار لكنه لم يتم القضاء على الفكرة ذاتها بقيت فكرة الإمام دائرة وحية من المفترض أن بعد الثورة والوحدة يتم القضاء على الفكرة واستئصالها لكن ذلك لم يحدث بالشكل الكامل ولم تترسخ فكرة الوحدة والولاء للوطن بشكل كافي
علينا أن ندرك أن الحرب لم تعد حرباً بالسلاح بل بالأفكار لذلك علينا أن نفهم ما يلي:
أن الله ميزنا بالعقل فعلينا أن نستخدمه لنهوض من جديد فهي واحدة من اثنتين إما أن نستخدم عقولنا لننهض أو استخدمه عدونا لتدميرنا
علموا أبنائكم وتعلموا أنتم أيضاً ألا تقبلوا بمن يفكر بالنيابة عنكم أو من يضع قوانين عليكم
الحرب لم تنتهِ بعد فمن ظن أنهم يسعون لتدمير البلاد وحسب فهو مخطئ إن سعيهم يشمل لتدمير العقول أيضاً فإن دمروا العقول سهل عليهم تدمير البلاد ونصرهم سيغدو مؤكد فعليكم بالعلم ثم العلم ثم العلم ثم العمل وأول طريق للعلم في أول كلمة قالها جبريل عليه السلام لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم اقرأ
فلا يمكن لأمة استعادة حضارتها ما لم تكن تعلم عنها ولا يمكن لأمة أن تنهض دون العلم ولا يمكن أن يُنَال العلم دون قراءة
سر تقدم الأمم في الماضي والحاضر والمستقبل هو العلم
علينا بناء حضارتنا من جديد وترميم ما دمرته الأيادي البشرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى