الرأي

سيكولوجيا الإمامة.. جماعة في مجتمع

ثابت الأحمدي

باستقراء التاريخ الاجتماعي والسياسي والثقافي للجماعة الإمامية الهادوية منذ تواجدت على أرض اليمن آخر القرن الثالث الهجري، وبتتبع البنية التضاريسية لها نستطيع القول: إنهم جماعة في مجتمع، لا جماعة من المجتمع، وفرق بين الاثنين؛ إذ لا يزالون متحوصلين على ذواتهم، منطوين على معتقدات وأفكار خاصّة ومغايرة لثقافة المجتمع اليمني ذات التاريخ الحضاري العريق، على الرغم من مرور ما يزيد عن ألف عام فيه؛ فلا يزال بعضهم يحن إلى بعض من شرق اليمن إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، كما لو كانوا أسرة مصغرة، أو عائلة واحدة.
ولو سألت علويا في شمال اليمن عن علوي في جنوبه، لقال لك: هذا ابن عمي..! ولو استوضحته أكثر، لقال لك: نعم ابن عمي، جدنا واحد وهو الحسن أو الحسين[1]..! يأتي هذا في الوقت الذي لم تعد أغلب العائلات مترابطة بعد ثلاثة أو أربعة أجيال، وربما نسيتْ جدّها الأول أو تناسته، وهي ثقافة شائعة عند الناس جميعا، باستثناء الكيان الإمامي البغيض الذي يرى في العلوي الفارسي أو المغربي أو المصري أو الشامي أنه ابن عمه وقريبه، و”من البيت” حد تعبيرهم؛ فيما جاره اليمني بعيدا عن نفسه..!
إنهم كيانٌ ذو نزعة استعلائية، قائمة على الوهم والتمجُّد، وعلى ادعاء ما ليس لهم، ليكسبوا ما ليس من حقهم أن يكسبوه من امتيازات مادية ومعنوية، مستغلين حالة الجهل في كثير من المناطق؛ بل ساعين بقوة إلى تجهيل الشعب، وصرفه إلى شؤون الحياة الضرورية اليومية من مأكل وملبس، فيما التعليم والتثاقف والترقي الاجتماعي والسياسي حكرا عليهم وحدهم، فهم وحدهم من يستحقونه.
وأدبياتهم الدينية والتاريخية طافحة بهذه العُقد التي جرت الويلات على شعبنا اليمني العظيم.
ولله در الشاعر عبدالله حمران حين شخّص حالهم شعرا، بقوله:
وهبناكم الحكم إذ كنتم تهيمون في بقعٍ خالية
وقلنا يمانون أهل لنا ولا عاشت القيمُ البالية
وصرنا لكم في المُلمَّات جندا وصرتم بنا قممًا عالية
مزجنا خلال السنين الطوال دمانا بكم حرة غالية
ولكنكم رغم مر السنين بقيتم على أرضنا جالية!!
ليسوا برجالات دولة ولا يتركون للدولة شأنها..! إن وصلوا إلى الحكم استعبدوا الخلق واستبدوا بهم بدعوى شرف النسب، وإن غادروا الحكم لأي سبب من الأسباب عملوا على تقويض أركان الدولة وزعزعة أركانها من الداخل.
يشبهون الديدان الطفيلية داخل جسم الإنسان؛ إذا تعتاش على غذائه وشرابه ودمه، كما يفعلون هم داخل الدولة نفسها حتى تسقط، ومن ثم ينقضون عليها.
يتعاملون مع خيرات الدولة ومقدراتها كما يتعامل البدو الرُّحل مع الماء والكلأ.. غنيمة أسبوع.. شهر.. موسم.. ثم يغادرون، وقد تركوا المكان قاعًا صفصفا.
وهكذا شأنهم مع الدولة؛ لأنهم يدركون في قرارة أنفسهم أنهم يفتقدون للمشروعية والمشروع، ويدركون أن مآلهم إلى زوال، وأن كماشة الجمهور ستحيط بهم يوما ما؛ لذا يلتهمون خيرات الأوطان التهاما عبثيا، لتأمين حياتهم إذا ما استطاعوا الفرار خارج أوطانهم، ومن هنا نعرف سر تفرقهم في مختلف الأقطار والأصقاع؛ لأن الشعوب نبذتهم منها، وطاردتهم منذ بداية تشكلهم وإلى اليوم، وأينما وجدوا فثمة فتن ثائرة وحروب مشتعلة.
كما نعرف تنكرهم للأوطان مقابل ولائهم للسلالة العنقودية المتوزعة في الأقطار، من الحجاز إلى الكوفة، إلى عراق العجم، إلى المغرب، إلى مصر، إلى اليمن.
وإلى هذا أشار الحكيم اليماني المؤرخ والشاعر مطهر الإرياني في ملحمته الشهيرة بقوله:
لقد نبذتهم الأقطار نبذاً فتاهوا نحونا متشردينا
وحلوا بيننا يوماً فقمنا إليهم محتفين مرحبينا
فلما غرَّهم حدب وعطف كريم يحتفي باللاجئينا
تباكوا وادعوا حقاً مضاعًا وراغوا روغة المتثعلبينا
وأجروا من محاجرهم دموعا على الشرع المطهر يندبونا
وفي ثوب من الإسلام راحوا على نياتهم يتسترونا
وأبدوا سيرة النُّساك زُهدا ومسكنة وهم يتربصونا
وأحيوا من لياليهم هزيعًا بتطويل السجود يخادعونا
أطالوا من مسابحهم ولكن همو بخيوطه يتصيدونا
وأضفو من ملابسهم لتلقى عليهم هيئة المتبتلينا
وهم يخفون أنياباً حداداً وأشداقا بها يتلمضونا
ويبتدعون للتضليل طرقا ويبتكرون للدجل الفنونا
عُصبة تخريبيّة مهووسة بالتسلط كيفما اتفق منذ تشكلهم في بداية العصر الأموي وإلى اليوم، لا يستوعبون حقائق التاريخ ولا تغيُّرات الزمان، أعمتْهم أطماعُهم عن كل ذلك.
ومن يتتبع فصول الانقلابات والصراعات مع سلطات عصرهم من خلال كتاب “مقاتل الطالبيين” للأصفهاني فقط يجد حالة من الجنون المتوارث لدى هذا الكيان خلفًا عن سلف.
إلى العام 313 هجرية، فقد استقصى الأصفهاني منهم المئات، غير من لم يذكرهم أو لم يصله خبره منهم، بسبب طيشهم ونزقهم الجنوني تجاه السلطة.
وكان ما اجتمع العشرة والعشرون من الشباب العلويين في مجلس ما إلا وقاموا بثورة أو انقلاب على السلطة الشرعية القائمة..! بل لقد تحالفوا مع الجماعات المتمردة في أطراف الدولة الإسلامية القائمة من الفرس تحديدا التي في بلاد خراسان وما بعدها والتي خرجت على الخلافة الإسلامية القائمة، سواء في عهد الأمويين، أم في عهد العباسيين..!
الكيان الإمامي البغيض ــ وهو التسمية الأنسب لهم ــ يستبطن العداء والازدراء لليمن منذ قرون غبرت؛ لذا عمل على تدمير تراثه المادي واللامادي، وسام الناس سوء العذاب بالبطش والتنكيل، وجهّل شبابه عن عمد، ليسهل له قياد العامة من الناس، لأن قيادة القطيع أيسر، ويسهل خداعهم بأقل الإمكانيات، ذلك أنه يفتقر للشرعية والمشروعية في حكمه، كما ذكرنا آنفا، ولذا فالأفضل له أن تبقى جموع الناس على جهالتها وتخلفها.
وقد عبر عن هذا المعنى شعرا الأديب مطهر الإرياني في قوله:
وفي تاريخنا دأبوا كسوسٍ كريهٍ للمفاخر ينحرونا
وفي آثارنا رفعوا فؤوساً وراحوا يحطمون ويهدمونا
وغالو في تعصبهم وأبدوا لنا البغضاء والحقد الدفينا
…….
[1] ــ حين تولى الإمام محمد بن يحيى الحكم سنة 1307هـ وهو والد الإمام يحيى، هنأته الطائفة الشيعية في العراق بتولي الحكم وإمامة اليمن بقصيدة منها:
مُرْ وانْهَ فأنت اليوم ممتثل والأمر أمرك لا ما تأمر الدول
الدولة اليوم في أبناء فاطمة بشرى قد رجعت أيامنا الأُول
محمد اليوم قد أحيا بني حسن كأنهم قط ما ماتوا ولا قتلوا

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى