الرأي

هل فعلاً تم تغييب العقل الجنوبي؟

د. عيدروس نصر

يمكن التوقف عند مقالة الزميل المحامي علي هيثم الغريب التي عنونها بـ”تغييب العقل الجنوبي” والمنشورة في أكثر من موقع إلكتروني من أربع زوايا رئيسية:
الزاوية الأولى تتعلق بدعوة الزميل الغريب إلى إعمال العقل وبناء ثقافة التعايش والتسامح ورفض استخدام السلاح في الاختلافات السياسية.
وفي هذا لا أتصور أن يجد زميلنا من يتعارض معه في هذا الموقف النبيل، لكن من غرائب الأمور في الحياة السياسية اليمنية أن أكثر من يدعو إلى السلام (مثلاً) هم أكثر الناس تعطشا وولعا بإشعال الحروب واستمرارها، وقس على ذلك بقية المواقف والدعوات كالدعوة إلى احترام قيم الإسلام الحنيف، أو الدعوة إلى الحفاظ على الجمهورية، أو حماية الوحدة الوطنية، وغيرها من الشعارات الجميلة التي ينسفها كثيرون من الداعين لها في أول اختبار عملي لتعاملهم معها، وبالتأكيد ليس بينهم زميلنا العزيز المحامي علي هيثم.
ويغدو الأمر في هذه النقطة محسوماً ولا يحتاج إلى مزيد من النقاش، سوى الإشارة إلى أن ما قدمته تجربة الثورة السلمية الجنوبية من دروس وعبر تكفي لتعليم جيل بكامله، من المعاني والقيم التي تأصلت في عزائم وعقول الجنوبيين أيام كان الزميل أحد متصدري مشاهد الثورة وأحد ضحايا القمع والتنكيل الذي تعرض له قادتها، قبل وجود سلطة تمتلك المال والجاه وأدوات الاستقطاب ودق الأسافين ما يمكنها من تخريب صفوف معارضيها وجذب البعض منهم إلى صفوفها.
الزاوية الثانية، المتعلقة برصد وعرض تجربة الجنوب منذ (13 يناير 66م كما اختار)، حيث ينحاز الزميل علي الغريب إلى نهج أولائك الذين لا يرون في الجنوب إلآ تاريخا من المواجهات والنزاعات والحروب والإقصاءات المختلفة، وهو يعلم وقد كان أحد أبناء الجيل الثاني من ذلك التاريخ، المتعلمين والمتابعين لتاريخ الثورات، أن تلك النزاعات هي ظواهر ملازمة لكل تاريخ الثورات التحررية العربية والعالمية، والجنوب ليس استثناءً، وأن تلك النزاعات كانت بنت زمنها، وبقدر ما هي مؤسفة فإنها لم تكن هي كل تاريخ الجنوب.
ومن المعيب أن هذه الأسطوانة المشروخة قد حولها أساطين النظام القمعي إلى هراوة يرفعونها في وجه كل من يطالب باحترام إرادة الشعب الجنوبي، ورفع الظلم عن مواطنيه، أو حتى من يطالب بتسليمه منزله المنهوب أو مرتبه الشهري الموقوف على مدى أشهر.
كما حولها الإعلام المعادي لكل ما هو جنوبي، إلى ذريعة لتأبيد الظلم وتقديس العبودية في الجنوب وممارسة ألإرهاب الفكري تجاه كل من يرفض التبعية والتهميش والإقصاء والاستبعاد من الجنوبيين، ومن المخزي أن يتناسى هؤلاء الحرب القائمة في اليمن منذ 2004م (ناهيك عن حروب القبائل والانقلابات والمناطق والتيارات) والتي التهمت مئات الآلاف من الأرواح وأضعافها من الجرحى والمعوقين، ودمرت عشرات الآلاف من المباني والمنشآت، بينما يتناولها هؤلاء وكأنها أحد الألعاب المسلية التي يلجأ إليها المولعون لقتل الملل.
ليس في هذا الكلام ما يؤسف له سوى إنه يأتي من أحد ناشطي الثورة السلمية الجنوبية وأحد تلاميذ المدرسة الجنوبية التي تعرضت للتشهير منذ اليوم الأول لانطلاقها ثم ما بعد انتصارها على الاستعمار والطغيان وبناء النظام الوطني الوليد في دولة موحدة على أنقاض أكثر من 23 دويلة ومشيخة وسلطنة وإمارة.
في الزاوية الثالثة المتعلقة بتعقيدات المشهد الجنوبي في اللحظة الراهنة يقدم زميلنا المحامي اللوحة على أن هناك صراعاً جنوبيا – جنوبيا، وأن الجنوبيين يقصون بعضهم بعضا ويلجأون إلى السلاح في حل خلافاتهم، ويعزل كل تلك المشاكل والتعقيدات عن المشكلة الأم المتصلة بغزو الجنوب مرتين ثم إعادة محاولة الغزو هذه المرة تحت عباءة “الشرعية” (المخطوفة) من قبل قوى النفوذ والهيمنة الشمالية نفسها التي نظمت ونفذت غزوة ١٩٩٤م، ومن تستعين بهم من المخدوعين الجنوبيين الذين فعلا ألغوا عقولهم وراحوا يستخدمون السلطة الوهمية لمحاربة أهلهم في الجنوب بدلا من مواجهة من أطاح بالشرعية وتسبب في نفيها إلى خارج البلد.
لم يقل لنا الزميل المحامي من أقصى من؟ ومن ألغى عقله أو عقل من؟ لكن القارئ اللبيب يمكنه دونما جهد كبير أن يستنتج من سياق الحديث باسم من يتحدث زميلنا العزيز، وهذا حقه لكن أملنا الوحيد أن يدلنا على الطريقة التي يمكن بها إعمال العقل من قبل طرف واحد فيما الطرف الآخر يستجلب المقاتلين من أعداء الجنوب ويستعين بهم، ويستورد والأسلحة والعتاد وينفق الملايين من ثروات الجنوب، من أجل إلغاء عقله وعقول غيره تشبثا بسلطة وهمية لا وجود لها وخدمة لأطراف لا يعلم (وربما يعلم) أنها لا تعير أدنى اعتبار لا له ولا للشعب الذي يدَّعي أنه يمثله.
أما الزاوية الرابعة المتعلقة بثنائية الشمال والجنوب فيقدم الزميل الوزير والحقوقي المعروف إقرارا مجانيا لم يطلبه منه أحد، مستخدما ضمير الجمع المتكلم (نحن في الجنوب) الذي يعني كل الجنوب وكل الجنوبيين، قائلاً ” قتلنا الأ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى