الرأي

من أغرق السفينة؟

د. صادق القاضي

تحت شعار “حتى لا تغرق السفينة”. تم في اليمن، صنعاء، يوليو 2008م. الإعلان عن تأسيس هيئة عامة لمحاربة الرذيلة وحماية الفضيلة، باسم “هيئة الفضيلة”. برئاسة الشيخ “عبدالمجيد الزنداني”، وعضوية رجال دين آخرين منهم الشيخ “حمود هاشم الذارحي”.
اجتمع هؤلاء العلماء “رجال الدين”، حينها، وتحدثوا كثيراً عن مخاطر انتشار الخمور والمخدرات، وشيوع التبرج والاختلاط والانحلال الأخلاقي، وتفشّي الدعارة وتجارة الجنس والأفلام الإباحية، وزيادة نشاط المنظمات التنصيرية!
كما تحدثوا أكثر عن ارتفاع نسبة الكفر وانخفاض نسبة الإيمان، وعن ظواهر شيطانية كثيرة لا وجود لها، كالكاسيات العاريات وغرق الشوارع بالخمور والمدارس والجامعات بالرذيلة، الأشياء التي -حسب رأيهم- تمثل الخطر الأول والأخير والوحيد بالنسبة لليمن.
وبالتالي.. كان لا بد -من وجهة نظرهم- من فعل شيء لصد هذا الخطر الوجودي الداهم، وحماية البلاد من الانهيار والضياع الوشيك، وهذا الشيء هو تأسيس هذه الهيئة التي ورد في بيانها التأسيسي: “إن وجودها بات ضرورة للدفاع عن الفضيلة المنتهكة”!.
بطبيعة الحال، لم تنطلِ هذه المبررات الوهمية والادعاءات الخيالية على عاقل.
كانت اليمن حينها، تعاني كعادتها من مختلف الأزمات التنموية والمعيشية والخدمية، وبدرجات متفاوتة، ما عدا الأزمة الإيمانية والأخلاقية!
ومع ذلك تأسست تلك الهيئة، على غرار “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” في السعودية.
تأسست كسلطة دينية سياسية اجتماعية قضائية أمنية، موازية للدولة، ولها حق الرقابة واستخدام القوة والضبط القضائي!
ثمّ بدأت الهيئة تمارس مهامها ونشاطها العملي: أعلنت بعض الفرمانات، وداهمت بعض المطاعم الأجنبية، وانهمكت في مراقبة حياة المجتمع، والتدخل في خصوصيات الأشخاص!
استمر ذلك لفترة قصيرة، فقد أثارت هذه الممارسات الفجة مخاوف الجميع، وتصاعدت موجة رأي عام عارمة من الغضب والاحتجاجات الرافضة، وصولاً إلى قيام الرئيس السابق بالتوجيه بحل تلك الهيئة التي لا ندري علاقته بتأسيسها.
في كل حال. مرّت الأيام عاصفة، أزمات وثورات وحروب وأهوال من كل نوع، وفي المحصلة: غرقت “السفينة” التي كان رجال الهيئة يخافون عليها من الغرق، غرقت بشكل مريع لم يخطر حتى في أسوأ كوابيس الشيطان.
لكن -كما نعرف اليوم جيداً- لم تغرق تلك السفينة بسبب الشباب المنحل، بل بسبب “الشباب المؤمن”، لم تغرق بسبب الأغاني بل بسبب الأناشيد الجهادية والزوامل الحربية، لم تغرق بسبب لابسي الجينز والسافرات “الكاسيات العاريات”، بل بسبب لابسي القمصان والعمائم والأسلحة،
لم يحدث الغرق بسبب “الشيطان”، بل بسبب “الإله الزائف”، ولا بسبب المدنية، بل بسبب الدين الملوث بالسياسة، ولا بسبب الفساد في الجامعات، بل بسبب الفساد في الجوامع، وتحويلها إلى مزارع لتفريخ العناصر الإرهابية.
لم تغرق السفينة بسبب حفلات الرقص والمجون المتخيلة، بل بسبب حلقات الدروس الدينية، ولا بسبب انتشار الخمور والفجور والانحلال والاختلاط، بل بسبب تفشّي التطرف والتزمت والعنف والإرهاب!
باختصار: لم تغرق السفينة اليمنية بسبب انحراف “الشباب” باتجاه: مايكل جاكسون ومارلين مونرو وسلفستر ستالون، بل بسبب انحرافهم باتجاه: الإمام حسن البنا، والإمام الخميني، والشيخ محمد بن عبد الوهاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى